الجمعة، 11 أكتوبر 2013

عندما تغنى دنيا سمير غانم للسيسى

عزيز الشافعى يكتب: عندما تغنى دنيا سمير غانم للسيسى

من كلمات أمير طعيمة وألحان وتوزيع مادى غنّت دنيا سمير غانم «واحدة تانية خالص»، وهى الأغنية الرئيسية أو «هيد» وفى رواية أخرى «هيت» الألبوم الغنائى الجديد لدنيا.
أعترف بداية أننى فى محاولتى المتواضعة للتحليل الفنى للأغنية سأحاول إخفاء إعجابى «البرىء» بدنيا سواء وهى بتمثل أو بتغنى «أو حتى وهى بتتكلم».
الأغنية لاقت نجاحًا لافتًا ولكنها أيضا أثارت ضجة على مواقع التواصل الاجتماعى لأسباب تتعلق بكلمات الأغنية والكلمات للشاعر أمير طعيمة، وهو واحد من أهم شعراء الجيل الحالى ويتميز بالبساطة والرشاقة فى التعبير واستطاع تحقيق نجاحات عديدة خلال مشواره الذى تعامل فيه مع كل نجوم الغناء تقريبًا.

وقد داعبه الصديق عمر طاهر منذ سنوات عندما ذكر فى أحد كتبه الرائعة: بأن الفرق بين الغنا زمان والغنا دلوقتى هو الفرق بين أمير الشعراء وأمير طعيمة.
لكن، لماذا أثارت الأغنية كل هذا الجدل؟
- يعبر أمير فى الأغنية عن حالة حب واستسلام وتسليم من المطربة لحبيبها وهو استسلام تام وغير مشروط يشبه كثيرًا استسلام الإمبراطور اليابانى هيرو هيتو للولايات المتحدة الأمريكية عقب ضرب المدن اليابانية بالقنبلة الذرية عام 1945 حيث يقول أمير فى المذهب «المقطع المتكرر من الأغنية»:
أنا بقيت بالبس على كيفه.. مابقولش لأ على حاجة بيعوزها.
وبقيت أشوف كل اللى بيشوفه.. والتعليمات بالحرف أنفذها.
ما هو خلاص سيطر على حياتى.. ومافيش ولاد غيره بكلمهم.
لأ وكمان بينقى صاحباتى.. طب هاعمل إيه مش عاجبه معظمهم.
الله الله.. حاجة كده فى منتهى الجمال.. اللهم اوْعدنا إحنا والسامعين والقارئين بمثل ذلك آمين.. «طبعًا كل الرجالة بيقولوا آمين وأغلب الستات مش هيكملوا المقال».
وبغض النظر عن ألفاظ زى ولاد وصاحباتى والكلام السيس ده، فحالة العشق الأفلاطونى التى تعبر عنها الأغنية ذكرتنى بنظرية وحلم أفلاطون نفسه عن المدينة الفاضلة التى يسودها العدل والمساواة والحب ويحكمها الفلاسفة ويقوم كل فرد فى هذا المجتمع الفاضل بواجبه، فالحاكم يحكم والجندى يحمى «واخدلى بالك إنت» والعامل يعمل، وهى بالطبع مدينة لم نسمع عنها إلا فى كتب أفلاطون ومحاورات أستاذه سقراط، وكذا فى رسائل الفارابى.
وبنفس اعتقادى فى استحالة وجود المدينة الفاضلة على كوكب الأرض أستطيع أن أؤكد لسيادتكم استحالة وجود هذه المشاعر العميقة فى حياتنا اليومية، اللهم إلا فى البدايات وما أدراك ما البدايات «الله يمسيك بالخير يا مرسى».
إذن هى ثورة نسائية من أغلب مناصرات حقوق المرأة «الفيمنيست» ضد كلمات الأغنية التى تحمل من وجهة نظرهن إهدارًا كبيرًا لشخصية المرأة واحتقارًا لمكانتها وستجد ذلك واضحًا فى تعليقات البعض على تويتر وعلى سبيل المثال: رنا هويدى: ما تقصيله ضوافر رجليه أحسن.
هشام منصور: تأثير «واحدة تانية خالص» على الفيمنيست هو نفس تأثير «تسلم الأيادى» على الإخوان.
سوزى فهيم: أغنية دنيا سمير غانم بتعبر عنكم يا ألطف الكائنات.. اشربوا.
لحن الأغنية لمادى جاء من مقام النهاوند وجاء رقيقًا حالمًا متنافسًا فى الشجن مع رقة كلمات أمير طعيمة وعذوبة أداء دنيا الدافئ الذى يمس القلب ويطربه «إى والله يطربه» ودنيا تغنى ببساطة وبدون استعراض وقد يكون هذا سر تميزها كمطربة فى مستقبل الأيام ولكن سيؤخرها بالطبع انشغالها بالتمثيل الذى تمتلك فيه موهبة لا تقل عن موهبتها بالغناء والجمع بينهما ليس بالأمر اليسير.
التوزيع الموسيقى لمادى جاء عاديًا لكنه يتناسب مع الحالة الرومانسية للأغنية واستخدم فيه إيقاع «المقسوم» بسرعة هادئة ومريحة واكتفى مادى بآلتى القانون والنادى للغناء المصاحب واللزمة الموسيقية المميزة وأعجبتنى أيضًا طريقة إعادته للمذهب فى نهاية الأغنية.
لا أعرف لماذا عندما سمعت الأغنية للمرة الأولى تذكرت مقال غادة شريف فى جريدة «المصرى اليوم» والذى كان بعنوان «يا سيسى.. أنت تغمز بعينك بس» واقتبس منه الاستهلال: «طالما السيسى قالنا ننزل يبقى هننزل... بصراحة هو مش محتاج يدعو أو يأمر.. يكفيه أن يغمز بعينه بس.. أو حتى يبربش.. سيجدنا جميعًا نلبى النداء.. هذا رجل يعشقه المصريون ولو عايز يقفل الأربع زوجات، إحنا تحت الطلب.. ولو عايزنا ملك اليمين، ما نغلاش عليه والله!» انتهى الاقتباس.
ما كتبته غادة غريب جدا وصادم جدا ومبالغ فيه أيضا، ولكن قد يكون ترجمة لطبيعة العلاقة التى تشكلت بين قطاع كبير من الشعب والسيسى منذ يوم 30 يونيو وحتى الآن مرورًا بـ3 يوليو ووصولا للنزول العظيم يوم 26 يوليو بعد يومين فقط من دعوة السيسى للشعب المصرى بالتظاهر لتفويض الجيش والشرطة فى مواجهة الإرهاب «المتوقع».
قد نختلف مع ما كتبته غادة، ولكن شئنا أم أبينا أصبح هذا الخطاب تدريجيًا يعبر عن نغمة سائدة ومنتشرة بين المصريين، سواء البسطاء أو حتى فى أوساط النخبة المثقفة. وقد تكون أهم العوامل المساعدة لتنامى هذا الشعور الجارف ما فعله الإخوان والقوى المتحالفة معهم، فمع افتقار المصريين إلى الأمن نتيجة المظاهرات المتلاحقة والأعمال الإرهابية شبه اليومية يكون لهذا الفعل رد فعل مساوٍ له فى القوة ومضاد له فى الاتجاه «بغض النظر عن أن هذه الأعمال مسؤولية جماعات متطرفة وليست مسؤولية الإخوان أنفسهم، ولكن يتحملونها بالطبع بسبب خطابهم التحريضى المتواصل».
وكان من الطبيعى أن يبحث الشعب عن الأمان ويتجه صوب أحضان الرجل القوى الذى دعم ثورتهم ثم أمن روعتهم وهو يعرف كيف يتحدث وكيف يطمئن قلوب الخائفين «عارف الزتونة يعنى» فعندما يقول مثلا: هو انتوا ماتعرفوش إنكم نور عينينا ولّا إيه؟ هنرد نقول إيه مثلا؟
هذا ليس خطاب قائد عسكرى لشعبه إنما هو أقرب إلى كلام الأحبة «وإحنا شعب حنين الصراحة»، وأتصور أن هذا الكلام يذهب مباشرة إلى قلوب المصريين فيجعلهم جميعا هانئين ومستسلمين، كما استسلمت دنيا لحبيبها ويبقى طبيعى جدا المصريين مايقولوش لأ على حاجة سيادة الفريق بيعوزها، وأكيد هايشوفوا كل اللى بيشوفه وتعليماته طبعًا بالحرف هاينفذوها، شفتوا بقى دنيا سمير غانم بتغنى الأغنية لمين؟ كل سنة وأنتم طيبين.
التحرير

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Hostgator Discount Code تعريب : ق,ب,م