الأحد، 16 فبراير 2014

هل مات سانتا ؟؟ قصة واقعية

أتذكَّر أول ليلة عيد ميلاد قَضيتُه مع جدتي حينما كنتُ وقتها طفلاً. أتذكَّر أني كنتُ أجوب في جميع أنحاء المدينة على درَّاجة صغيرة ثم ذهبتُ لزيارتها.
في هذا اليوم فاجأتني أختي الكُبرى بقَوْل مؤلم: ”إنه لا يوجد شيء اسمه سانتا كلوز“، كما تعرَّضَتْ بالسخرية لهذه الفكرة قائلة: ”حتى الدُّمَى والهدايا تعرف ذلك“!
لم تكن جدتي من النوع الشديد العاطفة أبداً. لجأتُ إليها في ذلك اليوم لأنني كنتُ أعرف أنها ستكون صريحة معي.
كنتُ أعرف أن جدتي دائماً ما تقول الحقيقة، وكنتُ أعرف أنها تقول الحق ولو على نفسها. كنتُ أعرف أن الجميع يقولون نفس ما تقوله هي في أيـة مشكلة، وذلك لمجرد أن جدتي قالت ذلك، لأنهم متأكِّدون أنَّ ما تقوله هو دائماً صحيح.
وكانت جدتي في المنزل، وكان كعك العيد ما يزال ساخناً (في أيامنا منذ 70 سنة كانت الأُمهات والجدَّات يصنعن كعك العيد في البيوت ولا يشترينه من الخارج). وذكرتُ لها كل شيء، كل ما قالته أختي. أمَّا هي فقالت إنها على استعداد للإنصات لي. وعبَّرت عن امتعاضها من قول أختي، وقالت:
- ”لا! سانتا كلوز، إنَّ كلامها مثير للسخرية! لا أعتقد ذلك. والآن هيا ارتدي معطفك، وهَلُمَّ نذهب إلى الكنيسة“.
وأضافت:
- ”ولكن قبل أن نذهب إلى الكنيسة، سنذهب إلى أحد محلات الملابس الجديدة“.
وسلَّمت لي الجدة عشرة دولارات. وهذا المبلغ كان يُعتبر مبلغاً كبيراً في ذلك الزمان. ودخلنا أكبر محل لبيع الملابس الصوفية الغالية الثمن.
وأضافت:
- ”خُذْ هذا المال واشتري به أي شيء لمَن ترى أنه يحتاج إليه. وأنا سأنتظرك في السيارة“.
ثم استدارت وخرجت من المحل.
كنتُ آنذاك في الثامنة من عمري، وكثيراً ما كنتُ أذهب للتسوُّق مع والدتي، ولكن أبداً لم أكن أشتري بنفسي أي شيء.
كان المحل يبدو كبيراً ومُزدحماً بالمشترين، وكان مليئاً بالناس التي تتدافع ليُنهوا تسوُّقهم لملابس عيد الميلاد.
ووقفتُ هناك لبضع لحظات وأنا مرتبك، وأنا مُمسِكٌ بورقة فئة العشرة دولارات، وكنتُ أُسائل نفسي: ماذا أشتري؟ ومَن هو الشخص الذي أشتري له؟
وأخذتُ أُفكِّر في جميع الذين كنت أعرفهم: عائلتي، أصدقائي، جيراني، الأطفال زملائي في المدرسة، والناس الذين يذهبون إلى كنيستي.

وكنتُ على وشك التوقُّف عن التفكير للتوِّ، عندما فكَّرتُ فجأة في ”بوبي ديكر“. كان طفلاً ذا رائحة فم كريهة، وشَعْر غير مرتَّب، وكان يجلس ورائي في الفصل في الصف الابتدائي الثاني والذي تُدرِّسنا فيه السيدة ”بولوك“.
وأخذتُ أُفكِّر: إن ”بوبي ديكر“ لم يكن لديه معطف. كنتُ أعرف ذلك، لأنه لم يكن يخرج معنا أبداً في وقت الفُسحة خلال فصل الشتاء. وكانت والدته دائماً تكتب مذكِّرة للمُعلِّمة بأنه مُصاب بالسعال. ولكن كلنا نحن الأطفال كُنَّا نعرف أن ”بوبي ديكر“ لم يكن لديه مرض السعال، بل لم يكن لديه معطف جيد يتدثَّر ويستدفئ به في الشتاء.
هنا ضممتُ أصابعي على ورقة العشرة دولارات مع رضائي المتزايد بأني سأشتري لبوبي ديكر معطفاً!
واستقر اختياري على مِعطف أحمر من النوع الذي يكون له غطاء رأس يمكنه أن يُغطي به رأسه. وهكذا بدا لي أنه سوف يُدفِّئه، ولا شكَّ أنَّ ذلك سيُفرِّح قلبه.
وسألتني موظفة آلة التحصيل بلُطف وأنا أُقدِّم لها العشرة الدولارات: ”هل هذه هدية عيد الميلاد لشخصٍ ما“؟
وأجبتها بخجل: ”نعم، يا سيدتي“، وأضفتُ: ”إنها لبوبي“.
ابتسمت السيدة اللطيفة في وجهي، بينما كنتُ أقول لها عن كيف أنَّ بوبي بحاجة حقاً إلى معطف جيد للشتاء. ولم تردَّ لي أي باقي للثمن، لكنها وضعت المعطف في كيس، وابتسمت مرة أخرى، و تمنَّت لي عيد ميلاد سعيد .
في ذلك المساء، ساعدتني الجدة على طيِّ المعطف، ولكن سقط كارت صغير من المعطف، ودسَّته الجدة مَطْويّاً داخل كتابها المقدس. ثم أحضرَتْ كارت مُعايدة لعيد الميلاد وأشرطة ملوَّنة وكتبت على الكارت: ”إلى بوبي، من سانتا كلوز“.
وقالت الجدة: إنَّ ”سانتا كلوز“ يُصرُّ دائماً على السرِّية. ثم قادت سيارتها وأنا برفقتها إلى منزل ”بوبي ديكر“. وبينما نحن ذاهبون، كانت تشرح لي أني منذ الآن ودوماً سأصير رسمياً واحداً من المساعدين لسانتا كلوز.
وتوقَّفت الجدة في الشارع بالقرب من منزل ”بوبي“؛ وتسللنا، هي وأنا، بسكون بلا ضوضاء مُتستِّرَيْن في الأشجار، وذهبنا سيراً على الأطراف الأمامية لأقدامنا.
ثم أعطت الجدة لي إشارة تنبيه برفق قائلة لي: ”كل شيء على ما يُرام، يا سانتا كلوز“، ثم همست: ”هيا اذهب“!
وأخذتُ نَفَساً عميقاً، وقرعتُ بخِفة وسرعة باب منزله، وألقيتُ الهدية على الأرض على بُعد خطوة من الباب، وأسرعتُ عائداً إلى خباء الشجيرات حيث الجدة مُنتظرة.
وانتظرنا معاً بتلهُّف في الظلام أن ينفتح الباب الأمامي. وأخيراً فُتح، وهناك وقف ”بوبي“ وأخذ الهدية، وبدأ يتلفت باحثاً عمَّن أحضر هذه الهدية، ثم دخل البيت، وأغلق الباب وراءه.
+ + +
والآن مضى 50 عاماً. ولم تُخفِت الخمسون سنة من بهجة تلك اللحظات التي أمضيتُها وأنا صغير أرتجف مـن البرد واقفـاً بجانب جـدتي، متستِّراً في الشجيرات أمام منزل ”بوبي ديكر“.
في تلك الليلة، أدركتُ أن تلك الشائعات حول ”سانتا كلوز“ كانت مثلما قالت الجدة إنها مثيرة للسخرية. و”سانتا“ هو حيٌّ، ونحن ضمن فريقه العامل معه.
وإني ما زلتُ أحتفظ لديَّ بالكتاب المقدس الخاص بجدتي، والذي دسَّت في داخله - في تلك الليلة - كارت ثمن المعطف والذي اتضح أنه كان 19.95 دولاراً! وليس فقط 10 دولارات كما دُفِعَ لموظفة آلة التحصيل منذ 50 عاماً! وكأنَّ هذه السيدة اللطيفة قد انضمَّت هي أيضاً في الخفاء ضمن فريق ”سانتا كلوز“!

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Hostgator Discount Code تعريب : ق,ب,م