مستعمرة الجذام
«التحرير» قررت اقتحام العالم السرى للمستعمرة، ورصد ما يحدث فيها من معاناة للمرضى، نتيجة إصابتهم بهذا المرض الخطير من جهة، والإهمال فى مباشرة علاجهم من قبل طاقم الأطباء والممرضات المسؤولين عن المستعمرة من جهة أخرى.
السطور القادمة هى نتاج يوم كامل عاشته «التحرير» داخل مستعمرة الجذام، للتعرف على طبيعة الحياة داخلها عن قرب، فالرغبة فى اقتحام هذا العالم الخطير كانت أقوى من الخوف من الإصابة بهذا المرض. فى البداية نشير إلى أن مرض الجذام هو مرض بكتيرى تسببه بكتيريا تسمى «مايكو باكتيريام»، وهى بكتيريا تصيب الجلد والأعصاب، ويتميز المرض بحدوث أورام وعقد فى الوجه تؤدى إلى سقوط الشعر والحاجبين وتآكل الأغشية المخاطية فى العين والفم والأنف، كما توجد هذه الأورام أيضا باليدين والقدمين مسببة سقوط الأصابع كلها أو بعضها والنهاية حدوث تشوهات جسيمة، لذا فتم عزل المرضى داخل مستعمرات لاتقاء عدوى الآخرين، والمحافظة على الحالة النفسية لمرضى الجذام التى تتأثر بشدة من نظرات الخوف والهلع والشك والقلق التى يجدونها من الآخرين فى المجتمع المفتوح.
المستعمرة مساحتها 350 فدانا تمت إحاطتها بسور عالٍ، شديد الحراسة لمنع الأهالى وغير المصابين بالمرض من الدخول وبها 700 مريض يوجد منهم 277 فى المبنى الإدارى، والذى يضم بدوره قسم العلاج الاقتصادى وغرفة العمليات والعيادات الخارجية، بينما يوجد 132 مريضا فى القسم الثانى الذى يضم عيادة للغيار وسجن للمرضى الصادر بشأنهم أحكام قضائية، أما باقى المصابين فهم سيدات موجودات بالقسم الثالث.
يحيط بالأقسام الثلاثة سور كبير بجواره محطة لتنقية المياه التى يشربها المرضى، ويقال إنها السبب فى إصابة عديد منهم بالفشل الكلوى، نتيجة ارتفاع الأملاح وعدم كفاءة عملية التنقية، وفى المستعمرة يوجد مخبز ينتج 3000 رغيف يوميا، وهو لا يكفى عدد المصابين، وبالتالى يضطر المرضى إلى شراء الخبز من الخارج، فضلا عن عدم وجود أطعمة للمرضى داخل المستعمرة. الإهمال هو المسيطر تماما على المكان، فالمرضى ينامون على الأرض، والقاذورات تحاط بهم من كل جانب، والحشرات صديقهم الحميم فى هذا المكان، والأطباء لا يسألون عليهم أو يباشرون علاجهم خوفا من العدوى، والمرض يأكل فى أجساد المرضى والنتيجة الحتمية بتر الأطراف.
«التحرير» التقت عددا من المرضى للتعرف عن قرب عن مأساتهم، فيقول رشيد عبد الوهاب محمود إن أحوال المرضى لا تسر عدوا أو حبيبا، وهدد بقيام المرضى بمنع ممثلى المنظمات التى تقدم الخدمات وممثلى الصحة وأطباء المستشفى من الدخول، مضيفا بقوله إن ثورتهم ستكون بالداخل بمنع من يسمحون لأنفسهم بالسطو على حقوقهم من الدخول، وقال إن إدارة المستشفى تتعامل معهم بأسلوب غير آدمى، والإخصائيون يتعاملون معهم بشكل سيئ، وطالب بتشكيل لجنة لفحص مطلبهم فى العلاج والإقامة والغذاء، وحقهم فى التعامل الآدمى. وأكدت الحاجة نعيمة والمقيمة بعنبر 3 داخل المستعمرة أنها توجد فى هذا المكان منذ سنوات طويلة مع زميلاتها المصابات بنفس المرض، ورفضت الخروج إلى العالم الخارجى من نظرات الخوف التى تراها فى عيون الناس عندما ينظرون إلى شكلها، بل إن بعضهم يرفض التعامل معها نهائيا خوفا من العدوى. أما عبير زميلتها فى نفس العنبر فهى تؤكد أن المريض يدفع تكاليف طعامه وشرابه على نفقته الخاصة رغم ضيق ذات اليد لمعظم المرضى المقيمين بالمستعمرة، ويتكفل المستشفى بجزء ضئيل جدا من علاجه، فهو يعطيهم كل شهر نصف كيلو سكر ونصف زجاجة زيت وكيلو أرز لكل مريض، وهذا هو الطعام الشهرى لمرضى المستعمرة،. وتضيف مريم المقيمة بعنبر 2، إن المريض يعتمد على نفسه فى إعداد كل شىء، فهم يقومون بأداء الأعمال المنزلية بأنفسهم من طهى الطعام وغسيل الملابس وتنظيف العنابر، ولا يوجد بالمستعمرة أى عمال نظافة، فيلجأ المرضى إلى تنظيف المستعمرة من القاذورات والقمامة بأنفسهم، رغم أن بعض المرضى لا يستطيعون الحركة، فضلا عن أن هذه الأعمال تعتبر شاقة عليهم، نظرا لظروفهم المرضية الخاصة. أما الحاجة أم محمد فهى دائما تطلب حضور الطبيب المعالج دون جدوى لدرجة أنها قد تنتظر لأسابيع، ولا يأتى الطبيب فهى تقول «أنا نفسى الدكتور ييجى علشان أنا مش عارفة أشوف خالص، رغم أنى بادهن المرهم اللى اشتريته على حسابى بـ80 جنيها كل يوم، ونظرا لأن مرضى الجذام يصابون بعديد من الجروح التى لا يستطيعون ملاحظتها نتيجة افتقادهم للإحساس فى الأطراف، حيث تبدأ الإصابة ببقع جلدية فى اليد أو القدم، ثم تورم والتهاب، تليه إعاقة مستديمة، وخوفا من انتقال العدوى إلى باقى جسم المريض يتم بتر الجزء المصاب فورا»، أما عم «صادق» حارس المزرعة فهو يؤكد أنه لا يستطيع الخروج من المستعمرة نهائيا، لأن الأطفال والشباب ينظرون إليه وهم يتغامزون ويضحكون ويقولون له «أنت شبه القرد يا عم روح موت أحسن»، مما يجعله يبكى ويفضل العزلة وعدم الخروج إلى المجتمع الذى اعتبره منبوذا وعايره بمرضه، رغم أن المرض من عند الله. أما عن الأعمال الأخرى التى يزاولها المرضى داخل المستعمرة، فهم يزاولون مهنة السباكة والنجارة والخياطة والكهرباء والجزارة، ورغم ذلك يتقاضون القليل الذى لا يكفى لشراء العيش الحاف، ويوجد بالمستعمرة بعض المرضى الذين ازدادت حالتهم النفسية سوءا من هول مايجدونه.
«المستعمرة» أو عالم المنفيين بعيدا عن الحياة، رغم أنهم ما زالوا يتنفسون، ما زالوا يتألمون، ما زالوا يحلمون. فى تلك المستعمرة حفر مرضى مستعمرة الجذام ذكرياتهم الأليمة على جدرانها.
فى عهد الملك فؤاد الأول ومنذ ما يقرب من مئة عام تم إنشاء مستعمرة الجذام بهدف عزل المرضى، لرعايتهم إجباريا على مساحة من الأرض تصل 262 فدانا مترامية الأطراف شكلت موقعها الحالى بمنطقة أبو زعبل بالخانكة، فبعيدا عن العمران فى المنطقة الصحراوية، والتى تبعد عن منطقة أبو زعبل بضعة كيلومترات تقع أحد المستشفيات والتى يطلق عليها «مستعمرة الجذام» يقطن بها المئات من المرضى المصابين بهذا المرض، والذين تم عزلهم عن باقى البشر، نتيجة إصابتهم بهذا المرض اللعين، مما أدى إلى زيادة الآلام النفسية بجانب الآلام الجسدية المبرحة التى يعانون منها.
فى عهد الملك فؤاد الأول ومنذ ما يقرب من مئة عام تم إنشاء مستعمرة الجذام بهدف عزل المرضى، لرعايتهم إجباريا على مساحة من الأرض تصل 262 فدانا مترامية الأطراف شكلت موقعها الحالى بمنطقة أبو زعبل بالخانكة، فبعيدا عن العمران فى المنطقة الصحراوية، والتى تبعد عن منطقة أبو زعبل بضعة كيلومترات تقع أحد المستشفيات والتى يطلق عليها «مستعمرة الجذام» يقطن بها المئات من المرضى المصابين بهذا المرض، والذين تم عزلهم عن باقى البشر، نتيجة إصابتهم بهذا المرض اللعين، مما أدى إلى زيادة الآلام النفسية بجانب الآلام الجسدية المبرحة التى يعانون منها.
«التحرير» قررت اقتحام العالم السرى للمستعمرة، ورصد ما يحدث فيها من معاناة للمرضى، نتيجة إصابتهم بهذا المرض الخطير من جهة، والإهمال فى مباشرة علاجهم من قبل طاقم الأطباء والممرضات المسؤولين عن المستعمرة من جهة أخرى.
السطور القادمة هى نتاج يوم كامل عاشته «التحرير» داخل مستعمرة الجذام، للتعرف على طبيعة الحياة داخلها عن قرب، فالرغبة فى اقتحام هذا العالم الخطير كانت أقوى من الخوف من الإصابة بهذا المرض. فى البداية نشير إلى أن مرض الجذام هو مرض بكتيرى تسببه بكتيريا تسمى «مايكو باكتيريام»، وهى بكتيريا تصيب الجلد والأعصاب، ويتميز المرض بحدوث أورام وعقد فى الوجه تؤدى إلى سقوط الشعر والحاجبين وتآكل الأغشية المخاطية فى العين والفم والأنف، كما توجد هذه الأورام أيضا باليدين والقدمين مسببة سقوط الأصابع كلها أو بعضها والنهاية حدوث تشوهات جسيمة، لذا فتم عزل المرضى داخل مستعمرات لاتقاء عدوى الآخرين، والمحافظة على الحالة النفسية لمرضى الجذام التى تتأثر بشدة من نظرات الخوف والهلع والشك والقلق التى يجدونها من الآخرين فى المجتمع المفتوح.
المستعمرة مساحتها 350 فدانا تمت إحاطتها بسور عالٍ، شديد الحراسة لمنع الأهالى وغير المصابين بالمرض من الدخول وبها 700 مريض يوجد منهم 277 فى المبنى الإدارى، والذى يضم بدوره قسم العلاج الاقتصادى وغرفة العمليات والعيادات الخارجية، بينما يوجد 132 مريضا فى القسم الثانى الذى يضم عيادة للغيار وسجن للمرضى الصادر بشأنهم أحكام قضائية، أما باقى المصابين فهم سيدات موجودات بالقسم الثالث.
يحيط بالأقسام الثلاثة سور كبير بجواره محطة لتنقية المياه التى يشربها المرضى، ويقال إنها السبب فى إصابة عديد منهم بالفشل الكلوى، نتيجة ارتفاع الأملاح وعدم كفاءة عملية التنقية، وفى المستعمرة يوجد مخبز ينتج 3000 رغيف يوميا، وهو لا يكفى عدد المصابين، وبالتالى يضطر المرضى إلى شراء الخبز من الخارج، فضلا عن عدم وجود أطعمة للمرضى داخل المستعمرة. الإهمال هو المسيطر تماما على المكان، فالمرضى ينامون على الأرض، والقاذورات تحاط بهم من كل جانب، والحشرات صديقهم الحميم فى هذا المكان، والأطباء لا يسألون عليهم أو يباشرون علاجهم خوفا من العدوى، والمرض يأكل فى أجساد المرضى والنتيجة الحتمية بتر الأطراف.
«التحرير» التقت عددا من المرضى للتعرف عن قرب عن مأساتهم، فيقول رشيد عبد الوهاب محمود إن أحوال المرضى لا تسر عدوا أو حبيبا، وهدد بقيام المرضى بمنع ممثلى المنظمات التى تقدم الخدمات وممثلى الصحة وأطباء المستشفى من الدخول، مضيفا بقوله إن ثورتهم ستكون بالداخل بمنع من يسمحون لأنفسهم بالسطو على حقوقهم من الدخول، وقال إن إدارة المستشفى تتعامل معهم بأسلوب غير آدمى، والإخصائيون يتعاملون معهم بشكل سيئ، وطالب بتشكيل لجنة لفحص مطلبهم فى العلاج والإقامة والغذاء، وحقهم فى التعامل الآدمى. وأكدت الحاجة نعيمة والمقيمة بعنبر 3 داخل المستعمرة أنها توجد فى هذا المكان منذ سنوات طويلة مع زميلاتها المصابات بنفس المرض، ورفضت الخروج إلى العالم الخارجى من نظرات الخوف التى تراها فى عيون الناس عندما ينظرون إلى شكلها، بل إن بعضهم يرفض التعامل معها نهائيا خوفا من العدوى. أما عبير زميلتها فى نفس العنبر فهى تؤكد أن المريض يدفع تكاليف طعامه وشرابه على نفقته الخاصة رغم ضيق ذات اليد لمعظم المرضى المقيمين بالمستعمرة، ويتكفل المستشفى بجزء ضئيل جدا من علاجه، فهو يعطيهم كل شهر نصف كيلو سكر ونصف زجاجة زيت وكيلو أرز لكل مريض، وهذا هو الطعام الشهرى لمرضى المستعمرة،. وتضيف مريم المقيمة بعنبر 2، إن المريض يعتمد على نفسه فى إعداد كل شىء، فهم يقومون بأداء الأعمال المنزلية بأنفسهم من طهى الطعام وغسيل الملابس وتنظيف العنابر، ولا يوجد بالمستعمرة أى عمال نظافة، فيلجأ المرضى إلى تنظيف المستعمرة من القاذورات والقمامة بأنفسهم، رغم أن بعض المرضى لا يستطيعون الحركة، فضلا عن أن هذه الأعمال تعتبر شاقة عليهم، نظرا لظروفهم المرضية الخاصة. أما الحاجة أم محمد فهى دائما تطلب حضور الطبيب المعالج دون جدوى لدرجة أنها قد تنتظر لأسابيع، ولا يأتى الطبيب فهى تقول «أنا نفسى الدكتور ييجى علشان أنا مش عارفة أشوف خالص، رغم أنى بادهن المرهم اللى اشتريته على حسابى بـ80 جنيها كل يوم، ونظرا لأن مرضى الجذام يصابون بعديد من الجروح التى لا يستطيعون ملاحظتها نتيجة افتقادهم للإحساس فى الأطراف، حيث تبدأ الإصابة ببقع جلدية فى اليد أو القدم، ثم تورم والتهاب، تليه إعاقة مستديمة، وخوفا من انتقال العدوى إلى باقى جسم المريض يتم بتر الجزء المصاب فورا»، أما عم «صادق» حارس المزرعة فهو يؤكد أنه لا يستطيع الخروج من المستعمرة نهائيا، لأن الأطفال والشباب ينظرون إليه وهم يتغامزون ويضحكون ويقولون له «أنت شبه القرد يا عم روح موت أحسن»، مما يجعله يبكى ويفضل العزلة وعدم الخروج إلى المجتمع الذى اعتبره منبوذا وعايره بمرضه، رغم أن المرض من عند الله. أما عن الأعمال الأخرى التى يزاولها المرضى داخل المستعمرة، فهم يزاولون مهنة السباكة والنجارة والخياطة والكهرباء والجزارة، ورغم ذلك يتقاضون القليل الذى لا يكفى لشراء العيش الحاف، ويوجد بالمستعمرة بعض المرضى الذين ازدادت حالتهم النفسية سوءا من هول مايجدونه.