الأحد، 10 أغسطس 2014

حوار مع الشيطان

حوار مع الشيطان
فيما كان هذا الراهب الطيّب متّجهًا إلى سوق المدينة ليؤمّن بعض الأغراض لديره، التقى براهب آخر أسود الوجه جاحظ العينين، فعرف أنّه المدعوّ إبليس أو الشيطان، فلم يحيّيه ولم يلتفت إليه، فغضب الشيطان جدًّا، وسأله بحدّة:
- لماذا لم تقدّم لي التحيّة؟
- لأنّني أعرف تمام المعرفة أنّك علّة شقاء هذا العالم وسبب الشرور كلّها، وهلاك الكثيرين من الرهبان والعلمانيّين على السواء، أفتريد بعد هذا أن أحيّيك؟
- أخالك مخطئًا، يا صاحبي، في زعمك هذا، فأنا لست كذلك على الإطلاق. وإن أردت أن تتأكّد من هذا، فتعال معي لتنظر بعينيك.
- لست بحاجة إلى براهينك، فلديّ خبرات وافية في هذا المجال، ولكنّي سوف أذهب معك لأنظر شرورك عن قرب.
وهكذا، سار الاثنان إلى السوق، وكانت غاصّة بالبيع والشراء والمشترين والبائعين، فدخل الشيطان إلى دكّان بائع الحلوى، وكان على الطاولة وعاء من العسل. فوضع الشيطان إصبعه في الوعاء، وأخذ قليلاً من العسل ورسم به علامته الخاصّة على جدران الدكّان. ثمّ نظر إلى الراهب الواقف قربه مندهشًا من عمله هذا دون أن يفقه شيئًا. فأشار الشيطان إليه، وهو يضحك بمكر، لكي يتحلّى بقليل من الصبر، وسيرى نتيجة عمله هذا.
ما إن مرّت دقائق قليلة، حتّى أخذ الذباب يتجمّع على الجدران، ثمّ خرجت من شقوق الجدران سحالي من مخائبها لتتلقّف الذباب وتلتهمه. وبعد ذلك راحت قطّة صاحب الدكّان تطارد السحالي وتطردها، وأبصر كلب الدكان المجاور القطّة، فهمّ هو الآخر بمطاردتها، وقلب وعاء العسل وأساله فوق الأرض.
استشاط صاحب الدكّان غيظًا من جاره صاحب الكلب، وانقلب النزاع باللسان لكمًا وضربًا، وانقسم أهل الحيّ فريقين مع الخصمين، ودارت معركة عنيفة بين الطرفين انجلت عن عدد من القتلى والجرحى وخسائر مادّيّة لا تحصى.
فالتفت الراهب إلى الشيطان وقال له:
- أرأيت، يا صاحب الدهاء والمكر، أرأيت؟ ألم أقل لك إنّك علّة كلّ شقاء وشرّ في العالم كلّه؟
- أنا لم أفعل شيئًا سوى أنّي رسمت بقليل من العسل على الحائط رسومًا خاصّة بي.
- أبهذه البساطة تقول إنّك لم تفعل شيئًا، لأنّك لو لم ترسم بالعسل لما حدث ما حدث.
- وما هو ذنبي؟ الناس قليلو الصبر والحبّ. إنّهم بطبعهم عدوانيّون سيّئون، ثمّ يتّهمونني باطلاً.
- وأنت استغللت ضعفهم هذا، أليس كذلك؟ يا لك من شيطان خبيث!! لقد حبكت خطّة فظيعة، فأنت تعلم أنّ الذباب يحوم حول العسل، وأنّ السحالي تلتهم الذباب، وأنّ القطّة تطارد السحالي، وأنّ الكلب عدوّ القطّة. كما تعلم، كذلك، أنّ هذه المعركة بين الحيوانات ستجرّ في أذيالها أهل القرية جميعًا.
قهقه الشيطان بصوت عال، ثمّ اختفى. وأمّا الراهب، فأخذ سبحته وبدأ يردّد صلاة الربّ يسوع.

أحبّاءنا، الشيطان ماكر خبيث، يجرّبنا دائمًا بالأشياء التي نحبّها والتي هي في طبيعتنا كما يحبّ الذباب العسل ويتساقط فيه. ولذلك، فنحن لا نسقط في أيّ تجربة إلاّ إذا وجد الشيطان فينا ميلاً يلجأ إلى إثارته داخلنا، أو منفذًا سهلاً يدخل منه (كالحواسّ مثلاً). فلنحذر الأشياء التي نميل إليها ونحبّها لئلاّ نجرّب منها.

من النشرات الروحية لدير القديس يعقوب الفارس
 

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Hostgator Discount Code تعريب : ق,ب,م